فصل: مسألة الدابة تباع فتوجد عثورا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة باع من رجل ثوبا بنصف دينار وأحال على المشتري غريما له بالنصف:

قال ابن القاسم في رجل باع من رجل ثوبا بنصف دينار وأحال على المشتري غريما له بالنصف فأعطاه فيه عشرة دراهم، ثم وجد المشتري بالثوب عيبا بم يرجع على البائع؟ قال: بنصف دينار وليس بالدراهم، وقاله أصبغ إتباعا، وفيه غمز وضعف.
قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه يرجع عليه بالدراهم، وقد مضت هذه المسألة، ووجه الاختلاف فيها مستوفى في أول مسألة من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف فلا معنى لإعادته هنا مرة أخرى، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة باع عبدا وبه عيب إباق دلسه فباعه مشتريه فأبق عند المشتري الثاني:

وسألت ابن القاسم: عمن باع عبدا وبه عيب إباق دلسه فباعه مشتريه فأبق عند المشتري الثاني، فمات في ذلك الإباق أو لم يمت والبائع الأول والثاني قيام بأعينهما، إلا أن البائع الثاني عديم، فقال: إن الثمن يؤخذ من البائع الأول المدلس، يؤخذ منه قدر الثمن الذي اشترى به الثاني، فيدفع إلى المشتري الثاني، ثم إن شاء المشتري الأول اتبعه ببقية ماله إن كان فيه فضل، وإن شاء ترك، فإن كان البائع الأول قد فات رجع المشتري الثاني على المشتري الأول بما بين القيمتين، ولا يرجع بالثمن كله؛ لأنه لم يدلس؛ فإن وجد البائع الأول يوما ما أخذ منه الثمن فأتم للمشتري الثاني منه بقيمة حقه الذي اشتراه به، وكان ما بقي للمشتري الأول.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم الصبرة من سماع يحيى، وذكرنا أنه يتحصل في ذلك خمسة أقوال، فلا معنى لإعادة شيء منها ههنا. وبالله التوفيق.

.مسألة باع جارية وشرط البائع أنها حامل:

وسئل ابن القاسم: عن رجل باع جارية وشرط البائع أنها حامل، قال: لا يجوز هذا الشرط والبيع مفسوخ.
قال محمد بن رشد: معناه إذا كانت الجارية غير رائعة مما يكون الحمل زيادة في ثمنها، وقد مضى ذلك وتحصيل القول فيها في سماع عبد الملك فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.

.مسألة باع جارية وقال إنها تزعم أنها بكر فألفيت ثيبا:

وإن باع جارية، وقال: إنها تزعم أنها بكر فألفيت ثيبا، فإن مالكا قال: ترد لأنه قد قال قولا رغب الناس فيها وازداد في ثمنها.
قال أصبغ: وكذلك لو قال: إنها تزعم أنها طباخة أو رقامة فلم توجد كذلك فإنها ترد.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في رسم حلف ألا يبيع سلعة سماها من سماع ابن القاسم، وقد مضى القول على ذلك هناك فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.

.مسألة العبد يشترى فيوجد ضرسه منزوعة أو به كي:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم، وسئل عن العبد يشترى فيوجد ضرسه منزوعة أو به كي أن الضرس خفيف إلا أن ينقص من ثمنه، مثل الجارية الرائعة وما أشبهها فيكون ذلك ينقص من ثمنها فيكون عيبا ترد منه.
وأما الكي فهو خفيف إلا أن يخالف اللون فيرد به، وقاله أصبغ. قال أصبغ: ويكون الكي الفاحش أو الكثير المترق، وإن لم يخالف اللون وفي المواضع التي يراد من الجارية الفرج وما والاه أو في الوجه يسمج مما يخاف فإذا ظهر كان سمجا ونقصانا فهذه عيوب كلها ترد بها، وإلا فلا.
قال محمد بن رشد: قال في السن الواحدة الناقصة: إنها عيب في الجارية الرائعة، زاد ابن حبيب وسواء كان في مقدم الفم أو في مؤخره، قال: وليس هو عيب في غير الرائعة ولا في العبد إن كان في مؤخر الفم، وما زاد على السن الواحدة فهو عيب في كل العبيد والإماء كان في مقدم الفم أو في مؤخره، وهو تفصيل حسن، قال: وأما السن الزائدة فهو عيب في العبد والجارية رفيعين كانا أو وضيعين.
وقوله فتي الكي نحو ما في الواضحة، حكى ابن حبيب فيها عن مالك أنه قال: ما كان من العيوب لا ينقص ثمنا ولا يخاف عاقبته مثل الكي غير الفاحش يكون بالعبد أو الأمة فلا يرد به، وإن كان عند النخاسين عيبا، قال: وإنما يرد العبد والأمة من كل عيب ينقص الثمن أو يخاف عاقبته، وقال هو من رأيه في الكية الواحدة إنه عيب في الأمة الرائعة إن كان لها أثر قبيح، وليس بعيب في غير الرائعة وفي العبد إلا أن يكون كيا كثيرا منتثرا، وقال ابن دحون: من اشترى عبدا فوجد به كيا، فقال أهل المعرفة: إنه كوي لعلة لم يرده إن كان بربريا ويرده إن كان روميا؛ لأن الروم لا يكتوون إلا لعلة، وهو حسن من القول، وبالله التوفيق.

.مسألة باع عبدا بالبراءة فباعه المشتري فظهر منه الثالث على عيب:

ومن كتاب البيع والصرف:
قال أصبغ: قال ابن القاسم فيمن باع عبدا بالبراءة، فباعه المشتري فظهر منه الثالث على عيب قامت عليه به البينة عند الأول إن المشتري يرده على الأوسط، وليس على الأول إلا اليمين ما علمه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، وهو مما لا إشكال فيه ولا وجه للقول.

.مسألة بيع ولد المجذومين:

قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن ولد المجذومين يباع، هل تراه عيبا إذا كان يرد به؟ أو هل يختلف إذا كان أبواه جميعا أو أحدهما؟ قال: نعم أراه عيبا يرد به؛ لأن الناس يكرهونه كراهية شديدة، وليس كل الناس يقدم عليه، فأراه عيبا كانا جميعا الأبوان أو أحدهما، وهو أمر يخاف والناس له كارهون إذا علموا به، فكل أمر إذا علمه الناس كانت فيه الكراهة عندهم فأراه عيبا، وقاله أصبغ بن الفرج، وقال: هو مما يخاف وإن لم يخف خوفا عاما في الناس فأراه عيبا، وقال سحنون مثله.
قال محمد بن رشد: مثل هذا حكى ابن حبيب عن مالك: أنه عيب في الرائعة وغير الرائعة، خلاف ما حكى عنه في التي يوجد أحد أبويها أسود أنه لا ترد بذلك إلا الرائعة، وقد ذكرنا ذلك، والأصل فيه في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب، وقد روى داود بن جعفر عن مالك في ولد المجذومين أنه ليس بعيب ولا يوضع عنه شيء، وبه قال ابن كنانة، ووجه ذلك التعلق بظاهر قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لا عدوى» ولا وجه للتعلق به في هذا؛ لأن المعنى إبطال ما كانوا يعتقدون من أن المريض يعدي الصحيح، ولم ينف وجود مرض الصحيح عند حلول المريض عليه غالبا بقضاء الله تعالى وقدره دون أن يكون للمريض في ذلك تأثير فعل، ألا ترى أنه لما قيل له: يا رسول الله، «إن الإبل تكون في الرمل مثل الظباء فيرد عليها البعير الأجرب فتجرب كلها»، لم يكذب قول من قال ذلك، وقال له: فمن أعدى الأول يريد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله تبارك وتعالى الذي أجرب الأول هو الذي أجرب جميع الإبل عند حلول الجرب عليها من غير تأثير كان له فيها، فإذا كان الأمر على هذا كان للمبتاع أن يرد العبد أو الأمة إذا علم أن أبويه أو أحدهما كان مجذوما لما يخشى من أن يصيبه الجذام بقضاء الله وقدره إذا كان أبوه مجذوما وإن لم يكن لجذام أبويه أو أحدهما في ذلك تأثير، إذ قد أبطل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك بقوله: «لا عدوى». وقال محمد بن دينار: سئل أهل العلم عن ذلك، فإن كان ذلك مرضا يعم الأقارب حتى لا يخطئ أحدا وخيف عليها ولم يؤمن ذلك عليها فأرى أن يردها، وإن كان مرضا لا يعم النسب وربما أصاب وربما لم يصب فإني لا أرى له سبيلا إلى ردها، والصحيح: أنه عيب من أجل أن الناس يكرهونه فينقص ذلك من قيمته، وإن قال أهل المعرفة بذلك إن ذلك لا يخشى ولا يتقى ولا يخاف، وبالله التوفيق.

.مسألة الدابة تباع فتوجد عثورا:

ومن كتاب الكراء والأقضية:
قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الدابة تباع فتوجد عثورا، قال: إن قامت له بينة أنها كانت عثورا ردها، وإن لم تكن له بينة وكان في مثل ما غاب عليها المشتري مما يقول أهل المعرفة والعلم أنه يحدث في مثله حلف البائع أنه ما علمه عنده، فإن نكل حلف المشتري بالله ما علمه ويردها، وإن كان في مثل ما غاب عليها لا يحدث في مثله في معرفة الناس أو يكون بها أثر في قوائمها أو غير ذلك يعرف أن ذلك من أثره ويستدل به ردها، فقد يشتري الرجل الدابة فينصرف بها أو لعله يركبها ساعة فيجد ذلك بها من قريب، فإن قال أهل المعرفة: إن مثل هذا في قربه لا يحدث ردها، وإن كان يرى أن مثله يحدث حلف على ما فسرت لك وقاله أصبغ كله وهو الصواب إن شاء الله.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم هذا في عثار الدابة إن البائع يحلف ما علمه كان بها عنده إن أمكن أن يكون حادثا عند المشتري على حكم العيب الذي يحدث ويقدم، هو على أصل قوله وروايته عن مالك في العبد يأبق عند المبتاع إن له أن يحلف البائع ما أبق عنده خلاف رواية أشهب عن مالك، فعلى قياس روايته عنه لا يمين على البائع في عثار الدابة إذا أمكن أن يكون حادثا عند المشتري، وقد قال ابن كنانة في المدنية: إن علم أنها كانت عثورة عند البائع فهي رد عليه، وإن لم يعلم ذلك وكان عثارها قريبا من بيعها حلف البائع بالله ما علم بها عثارا.
قال: وإن كان عثارها بعد البيع بزمان وفي مثل ما يحدث العثار في مثله فلا يمين على بائعها، وقول ابن كنانة هذا في تفرقته بين القرب والبعد قول ثالث في المسألة.

.مسألة يشتري جملة من الرقيق الوغد:

قال أصبغ: أخبرني ابن القاسم عن مالك في الذي يشتري جملة من، هذا الرقيق الوغد مثل السودان أو السند فيجد فيهم جارية حاملا ليس له أن يردها وهي تلزمه، ولو اشتراها وحدها رأيت أن يردها.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم مستوفى لمن أحب الوقوف عليه فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري العبد فيقبضه وينقد ثمنه ثم يأتي به يرده بعيب ظهر مثله:

من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ قال أصبغ بن الفرج في الرجل يشتري العبد فيقبضه وينقد ثمنه ثم يأتي به يرده بعيب ظهر مثله يحدث في الشهر وما أشبهه ولا يحدث فيما هو أقل منه، فيزعم البائع أنه باعه منذ سنة، ويقول المشتري إنما اشتريته منك منذ عشرة أيام، أو يأتي به مجنونا أو مجذوما فيزعم أنه في داخل السنة ويقول البائع بل بعتكه منذ سنين، أو يموت فيدعى أنه مات في العهدة، أو الجارية تشترى فتموت في يد المشتري فيزعم المشتري أنها لم تحض وأنها لم تقم عنده بعد الاستبراء إلا أياما لا يكون في مثلها الاستبراء، ويقول البائع بعتكها منذ أشهر، هل يكون القول قول البائع في جميع ما ذكرت مع يمينه؟ وهل يختلف عندك إن لم ينقد؟ قال: القول في كل ما سألت عنه سواء أمر واحد، والقول قول البائع مع يمينه؛ لأنها دعوى بينهما، والمدعى عليه هاهنا هو البائع؛ لأنه المدعى عليه النقصان للاسترجاع منه أو الرد والضمان، فكلها دعوى عليه، والمشتري مدعيها، فهو المدعي، وقد أحكمت السنة أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وهو المدعى عليه، فاحمل كل شيء تجده من الدعوى خالصا على ذلك، فمسألتك من ذلك وليس في هذا كلام.
وسواء في مسألتك انتقد أو لم ينتقد، وأظنك في النقد وغير النقد وحيرك مسألة ابن القاسم في العيب يوجد وقد فات الرأس فيرجع فيه إلى قيمة العبد لمعرفة قيمة العيب، فإن ابن القاسم قال فيها: إن كان انتقد فالقول قول البائع في الصفة؛ لأنه رأى أن البائع هاهنا المدعى عليه ليسترجع منه، وهو صواب، وزعم أنه إذا لم ينتقد فالقول قول المشتري وهذا خطأ. وكذلك قال أيضا في مسألة العبدين يبيعهما صفقة واحدة ففات أحدهما من يد المشتري ووجد بالآخر عيبا فجاء ليرده بما يصيبه من الثمن مع صاحبه إن القول في قيمة الفائت وصفته زعم قول المشتري إذا لم يكن نقد؛ لأنه رأى أن المشتري هاهنا مدعى عليه وهو خطأ من قوله، وجعل المدعى عليه مدعيا وهو المشتري إذا كان قد نقد، وليس ذلك المدعي هاهنا هو المشتري على كل حال والمدعى عليه البائع؛ لأن البائع وإن لم يكن انتقد فقد وجب له الثمن الذي تبايعا به، والمشتري ينتقصه منه، وقد سألت عنها أشهب فخالفه فقال مثل قولي، وإنما بنيت مسألتك على قول ابن القاسم هذا وأردت أن أبين فأرى أن قد أصبت في سؤالك ووقوفك على ما اشتبه عليك إلى علمه، والله الموفق لنا ولك.
قال محمد بن رشد: قد قال أصبغ في هذه المسألة: إن القول قول المبتاع؛ لأن العهدة قد لزمت البائع فهو مدع أنها قد انقضت، روى ذلك عنه عبد الأعلى، وعلى ذلك يأتي قوله في نوازله من كتاب طلاق السنة في النصرانية تسلم تحت النصراني ثم يسلم زوجها بعدها فيريد رجعتها فتزعم أنها قد حاضت ثلاث حيض بعد إسلامها وأن إسلامها كان أكثر من أربعين يوما لما يحاض في مثل ذلك ثلاث حيض، ويزعم الزوج أن إسلامها كان منذ عشرين ليلة لما لا يحاض في مثله ثلاث حيض؛ وفي الذي يطلق امرأته واحدة ثم يريد رجعتها ويقول: إنما طلقتها أمس تقول هي: بل طلقتني منذ شهرين وقد حضت ثلاث حيض أن القول قول الزوج، إذ لا فرق بين دعوى انقضاء العهدة ودعوى انقضاء العدة، وإلى هذا القول ذهب سحنون فقال في قول أصبغ في هذه النوازل: إن القول قول البائع، هذا خلاف ما أجمع عليه سلفنا في معرفة المدعي من المدعى عليه، ومن لزمته العهدة والاستبراء فزعم أنهما قد انقضتا فمثله طلب المخرج منهما؛ لأن من قال قد كان فهو المدعي، وقد احتج بقوله في نوازله هذه، ولكلا القولين حظ من النظر، وقول سحنون أظهر.
ومن حجته على أصبغ أنه قد خطأ قول ابن القاسم في قوله: إن القول قول المبتاع إذا لم ينقد، فقال: وإن كان لم ينقد فقد وجب عليه النقد فهو مدع فيما يسقطه، فيقال له وكذلك البائع عليه العهدة ولزمه رد الثمن فيما ظهر من موت العبد أو جنونه أو جذامه فهو مدع فيما يسقط ذلك عنه، وسواء على مذهب سحنون نقد أو لم ينقد، القول قول المبتاع، وهو الظاهر من قول ابن القاسم في كتاب الوكالات من المدونة في الذي رد نصف حمل طعام اشتراه بعيب وجد به فقال البائع: بل بعتك حملا كاملا أن القول قول المبتاع، والظاهر أنه قد نقد لقوله إذا حلف البائع لم يرد من الثمن إلا نصفه، وإن كان قد تؤول أن معنى قوله يرد بحكم الحاكم في النصف، فالتفرقة بين النقد وغير النقد في هذه المسألة قول ثالث. وبالله التوفيق.

.مسألة يبتاع العبد بيع الإسلام وعهدة الإسلام فيعتقه المشتري:

قال أصبغ عن ابن القاسم في الرجل يبتاع العبد بيع الإسلام وعهدة الإسلام فيعتقه المشتري، أو يشتري الجارية فيطؤها فتحمل ثم يظهر بها جنون أو جذام أو برص في عهدة السنة لا أرى أن يرجع بما بين القيمتين وأن عتقه العبد وإيلاده الجارية قطع منه للعهدة. قال أصبغ: أرى أن يرجع بالعيب؛ لأن عيب العهدة كعيب كان به عند البائع في السنة لازما فيصرف به المبتاع على البائع. ألا ترى أنه لو لم يعتقه ولم تحمل الجارية رده به وهو حادث ولم يكن عليه أيضا لنقصانه شيء يرده معه، فالحمل فوت والعتق فوت لا رد معهما، وله الأرش بعدهما، وكذلك لو أعتقه في عهدة الثلاث لم يكن عتقه قطعا لتلك العهدة إن أصابه فيها أمر قد كان يرد بمثله ويلزم البائع أرشه، وهذا رأي، قال سحنون مثله. وقال: أصل ما أحدث له عهدة الثلاث الحمى الربع، وأصل عهدة السنة استقصاء الجنون والجذام والبرص والعيوب القديمة.
قال أصبغ: وكان ابن كنانة يقول في العبد يشتريه الرجل فيعتقه فيجذم في داخل السنة، قال: ينظر فيه فإن كان له ثمن معروف عرفت ثمنه ثم رجع المشتري على البائع بما بين ثمنه أجذم وثمنه صحيحا، وإن كان ليس له ثمن أصلا رجع بجميع الثمن ومضى فيه العتق، فإن مات العبد المعتق عن مال أخذ منه البائع الثمن الذي غرم للمبتاع وكان ما بقي بعد ثمنه للمبتاع، وإن كان المشتري لم يرجع بجميع الثمن وبقي له في العبد درهم فما فوقه فجميع ميراثه له.
وسئل ابن كنانة: عن الرجل يبتاع العبد بيع الإسلام وعهدة الإسلام فيعتقه ثم يظهر به جذام قبل السنة، قال: يرجع عليه بما بين القيمتين، وكذلك الجارية إذا حملت من سيدها أنه يرجع بما بين القيمتين.
قال ابن القاسم: وقد كان مالك يقول: يرد العتق ويأخذ المشتري الثمن كله، ولست أرى هذا القول ولا قول ابن كنانة، ولا أرى عتقه إلا قطعا لعهدة السنة، ولا أرى أن يرجع عليه بشيء، ولو كنت أقول أحد القولين لقلت برد عتقه ويأخذ جميع الثمن، ولكني لست أرى ذلك، وأرى عتقه قطعا لعهدة السنة.
قال محمد بن رشد: معنى قول مالك الذي حكاه عنه ابن القاسم من أن العتق يرد ويأخذ المشتري الثمن كله إنما هو إذا لم يكن للعبد مجنونا أو مجذوما ثمن أصلا، وأما إذا كان له ثمن فيرجع على البائع بما بين القيمتين من الثمن ويمضي العتق كما قال ابن كنانة، وإنما يخالف مالك لابن كنانة إذا لم يكن له ثمن أصلا، وإنما وقع الإشكال في قول مالك لوقوعه إثر قول ابن كنانة قبل كماله، وكان من حقه أن يقع إثره بعد كماله على ما وقع أولا متصلا بقوله فجميع ميراثه له.
فالذي يتحصل في هذه المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن عتقه العبد وإيلاده الجارية قطع لعهدة الثلاث ولعهدة السنة ولا يرجع على البائع بشيء وهو قول ابن القاسم في رواية أصبغ عنه.
والثاني: أن عتقه العبد وإيلاده الجارية لا يكون قطعا لعهدة الثلاث ولا لعهدة السنة ويرجع على البائع بقيمة العيب، وهو قول أصبغ وسحنون ههنا، إلا أن يكون لا ثمن له أصلا، فقال ابن كنانة: يرجع المبتاع على البائع بجميع الثمن ويمضي فيه العتق، فإن مات العبد المعتق عن مال أخذ البائع منه الثمن الذي دفع إلى المبتاع وكانت بقيته للمبتاع، وقال مالك: يرد العتق ويأخذ المشتري الثمن كله.
والثالث: أن عتقه العبد وإيلاده الجارية في عهدة الثلاث قطع لعهدة الثلاث ولا رجوع له على البائع بما أصابه فيما بعد العتق، وأن ذلك لا يكون قطعا لعهدة السنة، ويرجع على البائع بما أصابه في السنة بعد العتق من الجنون والجذام والبرص، يقوم صحيحا أو مجنونا أو مجذوما أو مبروصا فيرجع على البائع بقدر ما بين القيمتين من الثمن، وهو قول سحنون في نوازله من هذا الكتاب في بعض الروايات، فإن لم يكن له ثمن أصلا فعلى ما تقدم من قول مالك وابن كنانة، وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله.

.مسألة تم كتاب العيوب بحمد الله وحسن عونه:

.كتاب المرابحة:

.مسألة نصراني ابتاع لرجل سلعة ثم احتاج إلى بيعها مرابحة:

كتاب المرابحة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم كتاب المرابحة من سماع ابن القاسم من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك في نصراني ابتاع لرجل سلعة ثم احتاج إلى بيعها مرابحة أن عليه أن يبين لمن ابتاعها منه أن نصرانيا ابتاعها له وغاب على أمرها، قال سحنون وعيسى: لا يحل لمسلم أن يوكل نصرانيا يشتري له سلعة ولا يبيعها، وقال مالك: ولا أحب لمسلم أن يبيع سلعة مرابحة اشتراها له مسلم حتى يبين أن غيره اشتراها له.
قال محمد بن رشد: أما إذا ابتاع النصراني للمسلم سلعة وغاب على أمرها فلا ينبغي له أن يبيعها مرابحة ولا مساومة حتى يبين أن نصرانيا ابتاعها له وغاب على أمرها لأنه إذا لم يحل للمسلم أن يوكل نصرانيا يشتري له سلعة ولا يبيعها له كما قال سحنون وعيسى وعلى ما في المدونة وغيرها، لقول الله عز وجل: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161] فمن حجة المشتري أن يقول: لا أريد سلعة ابتاعها نصراني فلعله قد اشتراها شراء حراما أربى فيه وأنا لا أستبيح مثل هذا فيكون ذلك له؛ لأن أهل الورع من الناس يجتنبون مثل هذا ويتقونه، ولا يقام من قول مالك إن عليه أن يبين إذا احتاج إلى بيعها مرابحة دليل على أنه ليس عليه أن بين إذا باعها مساومة ويجعل جوابه على أنه خرج على سؤال سائل سأله عن بيع المرابحة فأجاب عليه، ولو سئل عن بيع المساومة لقال أيضا: عليه أن يبين والله أعلم، إلا أن ذلك عليه في بيع المرابحة آكد على قوله: إن عليه أن يبين فيها إذا ابتاعها له مسلم أنه لم يل هو شراءها؛ لأن من حجة المشتري على هذا القول أن يقول له: إنما اشتريتها منك مرابحة بما ذكرت من الثمن لعلمي ببصرك في الشراء، وأنك لا تخدع فيه، ولو علمت أنها ليست من شرائك لما اشتريتها منك، وقد استخف ذلك في رواية أشهب عنه في هذا الكتاب وفي كتاب البضائع والوكالات فلم ير عليه أن يبين أن غيره اشتراها له إذا اشتراها له مسلم، وقال: أرأيت كل من ابتاع شيئا أهو الذي يشتريه لنفسه؟ فلم يجعل على هذه الرواية شراء المشتري مرابحة على أن البائع هو الذي ولي شراء ذلك حتى يشترطه، فإن باع مرابحة أو مساومة ما ابتاعه له نصراني وغاب عليه ولم يبين ذلك أو باع مرابحة ما ابتاعه له مسلم ولم يبين على القول بأن عليه أن يبين، وهو قوله في هذه الرواية، كان المشتري مخيرا ما كانت السلعة قائمة بين أن يمسك أو يرد، فإن فاتت بوجه من وجوه الفوات الذي يفوت به البيع الفاسد رد فيها إلى القيمة إن كانت أقل من الثمن، وهو حكم الغش في البيوع، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري المتاع فتحول السوق فيريد أن يبيع مرابحة:

ومن كتاب حلف ألا يبيع سلعة سماها:
وسئل مالك: عن الرجل يشتري المتاع فتحول السوق فيريد أن يبيع مرابحة، قال: لا يعجبني ذلك إلا أن يتقارب ذلك، يريد من اختلاف الأسواق، قيل له: أفيبيع مساومة؟ قال: أما إن تطاول ذلك من شأن شراء المتاع فلا أرى ذلك؛ لأن الرجل قد يأتي في الزمان قد رخص فيه المتاع وقد طال شراؤه وحال عن حاله فيساومه فيظن أنه من شراء ذلك اليوم فلا يعجبني في المساومة ولا في المرابحة إذا كان على ما وصفت لك إلا أن يبين ذلك.
قال محمد بن رشد: تحصيل هذا أنه إن كان طال مكث المتاع عنده فلا يبيع مرابحة ولا مساومة حتى يبين، وإن لم تحل أسواقه؛ لأن التجارة في الطري أرغب وهم عليه أحرص من أجل أنه إذا طال مكثه لبث وحال عن حاله وتغير، وقد يتشاءمون بها لثقل خروجها، هذا وجه ما ذهب إليه من المدونة، وكرهه هاهنا مخافة نقصان قيمتها بتغيرها وحوالة أسواقها؛ لأن البائع إنما يسامح في البيع على قدر رخص السلع عنده، فلو علم المبتاع أن سلعة غالية من شراء غير ذلك الوقت لما اشترى منه شيئا مرابحة ولا مساومة، وهذا بين إن كانت الأسواق حالت بنقصان، وأما كانت حالت بزيادة فلعل زيادة أسواقها لا تفي بتغيرها بطول مقامها، وإن وفت بذلك أو زادت عليه فمنع منه بكل حال للذريعة.
وأما إن كان لم يطل مكث المتاع عنده فإنما عليه أن يبين في بيع المرابحة إن كانت الأسواق قد حالت بنقصان، وليس عليه أن يبين فيها إن كانت الأسواق حالت بزيادة ولا في بيع المساومة أصلا، فإن باع مرابحة أو مساومة وقد طال مكث المتاع عنده ولم يبين فهو بيع غش وخديعة يكون المبتاع مخيرا في قيام السلعة بين الرد والإمساك، فإن فاتت رد فيها إلى القيمة إن كانت أقل من الثمن، وإن باع مرابحة وقد حالت الأسواق بنقصان ففي ذلك قولان؛ أحدهما: أنه يخير في القيام بين الرد والإمساك، ويرد في الفوات إلى القيمة إن كانت أقل من الثمن على حكم الخديعة والغش في البيع، وهو مذهب ابن القاسم، والثاني: أنه يحكم له بحكم من باع وزاد في الثمن وكذب فيه، وتكون القيمة في ذلك يوم البيع كالثمن الصحيح في بيع الكذب، فتكون فيه القيمة إذا فات يوم القبض، إلا أن يكون أقل من قيمتها يوم البيع فلا ينقص من ذلك، أو أكثر من الثمن الذي باع به فلا يزاد عليه، وهو مذهب سحنون.
وفي ذلك من قوله نظر، والقياس فيه إذا حكم له بحكم الكذب أن تقوم السلعة يوم اشتراها البائع وتقوم يوم باعها هذا البائع وينظر ما بين القيمتين فيهما من أكثر القيمتين ويحط ذلك الجزء من الثمن، فما بقي بعد ذلك كان هو الثمن الصحيح، فإن كانت السلعة قائمة كان المبتاع بالخيار بين الرد والإمساك، إلا أن يشاء البائع أن يلزمها إياه بما قلنا فيه إنه هو الثمن الصحيح، وإن كانت قد فاتت وأبى البائع أن يردها إلى الثمن الصحيح كانت فيه القيمة إلا أن تكون القيمة أكثر من الثمن الذي باع به فلا يزاد البائع عليه، أو تكون أقل من الثمن الصحيح فلا ينقص المبتاع منه شيئا، وبالله التوفيق.

.مسألة يقدم بالمبتاع فيعطي القوم البرنامج فيقول هذا برنامجي ولا أبيعكم مرابحة:

ومن كتاب أوله الشريكان يكون لهما مال:
وسئل مالك عن الرجل يقدم بالمبتاع فيعطي القوم البرنامج فيقول هذا برنامجي ولا أبيعكم مرابحة، قال مالك: لا أحب أن يعطيهم البرنامج إذا كان شأنه ألا يبيعهم مرابحة لأنه يدخل في ذلك الخديعة.
قال محمد بن رشد: الخديعة التي خشي في ذلك هي أنهم يقتدون ببرنامجه فيبلغونه بسببه من الثمن ما لم يكونوا يبلغوه إياه لولاه، ولعل متاعه لا يبلغ تلك القيمة وإنما يفعل ذلك إذا خشي ألا يساوي ما اشتراه به، ولعله أيضا لما عزم أن يبيع مساومة ولا يبيع مرابحة لم يتثبت فيما كتب في برنامجه فزاد أو نقص، فيكون بمنزلة من رقم على ثيابه أكثر من شرائها وباع مساومة، وذلك من الغش والخديعة، فإن أعطاهم البرنامج وباعهم مساومة كان ذلك من البيع المكروه، ولم يجب فيه فسخ ولا خيار، إلا أن يكون البرنامج كتبه على غير صحة فيكون حكم البيع حكم بيع الخديعة والغش، وقد وصفناه في الرسم الذي قبل هذا، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري الثوبين جميعا بثمن في صفقة واحدة:

ومن سماع أشهب وابن نافع من كتاب البيوع قال سحنون: قال ابن نافع وأشهب: سئل مالك عن الرجل يشتري الثوبين جميعا بثمن في صفقة واحدة، أيجوز أن يبيع أحدهما مرابحة؟ قال: نعم إذا بين ذلك للمبتاع، أرأيت الذي يبتاع العدل كما هو أليس يبيعه ثوبا ثوبا، أيبيعه جميعا؟ فقال: لا بأس به أن يبيعه مرابحة إذا بين ذلك للمبتاع.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إنه يجوز أن يبيع أحدهما مرابحة إذا بين ولا يكون للمبتاع في ذلك خيار إلا أن يتبين أنه وضع على أحدهما من الثمن أكثر مما ينوبه منه وباعه على ذلك، فيكون حكمه حكم الكذب في بيع المرابحة في القيام والفوات، ويكون ما نابه من الثمن على صحة هو الثمن الصحيح الذي إذا أراد البائع أن يلزم المبتاع البيع به لزمه ولم يكن له خيار، والذي لا ينقص للمبتاع منه في الفوات إن كانت القيمة أقل، وأما إن لم يبين فيكون الحكم فيه حكم البيع بالغش والخديعة على مذهب ابن القاسم، وحكم الكذب في زيادة الثمن على مذهب سحنون، وتكون قيمته يوم اشتراه البائع هو الثمن الصحيح؛ لأن الجملة قد يزاد فيها، وإن وضع على أحد الثوبين أكثر مما ينوبه من الثمن وباع مرابحة ولم يبين شيئا من ذلك فيجتمع في البيع على هذا الوجه عند ابن القاسم غش وكذب، فإن كانت السلعة قائمة كان مخيرا بين الرد والإمساك، ولم يكن للبائع أن يلزمه إياها بأن يحط عنه الكذب؛ لأنه يحتج عليه بالغش، وإن فاتت طالب المبتاع البائع بحكم الغش؛ لأنه أفضل له من المطالبة بحكم الكذب، فترد له السلعة إلى قيمتها إن كانت القيمة أقل من الثمن، وبالله التوفيق.